19 أبريل 2025

العين بين العقل والقلب: فلسفة النظرة بين الغرب والشرق

العين بين العقل والقلب: فلسفة النظرة بين الغرب والشرق

قدّمتُ في كتابي "الدلالات التربوية لتعبيرات الوجه" (2016) اثنتي عشرة لغة للعيون، كشفت من خلالها عن عمق هذا العضو الفريد، وقدرته على التعبير العاطفي والمعرفي ببلاغة تتجاوز اللسان. تلك التجربة زادتني شغفًا بهذه الأداة العظيمة، التي استوقفت الشرق والغرب منذ القدم، بلغاتها الصامتة وفصاحتها الشعورية، وبمقدرتها العجيبة على كشف المكنون، ونسج المعاني من نظرة أو رمقة أو طرفة.

لطالما كانت العين مرآةً للروح ومسرحًا خفيًا للمشاعر، غير أن الحضارات اختلفت في تأويل نظراتها. ففي الغرب، غلب على التفسير الطابع التحليلي النفسي، إذ أصبحت العين أداة علمية دقيقة تُقاس بها الانفعالات، وتُقرأ من خلالها النوايا، ويُحلل بها السلوك الإنساني. أما في الشرق، وتحديدًا في التراث العربي، فقد ارتقت العين إلى مقام وجداني، تُفهم بالنبرة الشعورية، وتُفسّر بما تُلقيه من أثر في القلب قبل العقل.

وفي علم النفس الحديث، لا سيما في أعمال Paul Ekman، تحولت العين إلى مرصد للانفعالات الدقيقة. توسّع حدقة العين، على سبيل المثال، فُسّر بأنه دلالة على الإثارة العاطفية والانجذاب، وهو استجابة عصبية تلقائية لنشاط الجهاز السمبثاوي. وفي أدبيات Joe Navarro، الخبير في لغة الجسد والتحقيقات السلوكية، تُعدّ العين مؤشرًا أوليًا للكذب أو التوتر أو الخضوع، حيث يُفسر تجنّب التواصل البصري بأنه علامة على خلل داخلي أو رغبة في الإخفاء.

ويشير Allan and Barbara Pease في كتابهما الشهير "The Definitive Book of Body Language" إلى أن اتجاه نظرة العين يكشف نوع التفكير: فالنظر إلى أعلى اليمين يرتبط بالتخيل، بينما الأسفل إلى اليسار يدل على التذكّر. أما Desmond Morris، فقد رأى في كتابه "Manwatching" أن توسّع الحدقة قد يكون أكثر فصاحة من الكلام في لحظات الغرام.

ولكن هذه الرؤية الغربية التي تُحلّل العين بوصفها مؤشرًا عصبيًا، تختلف تمامًا عن النظرة العربية التراثية، التي منحت العين بُعدًا شعريًا وروحيًا. ففي الأدب العربي، تُوصف النظرة بأنها سهم يصيب القلب، وجرح لا يُرى، وصوت لا يُسمع.

إذ يقول عنترة بن شداد:

"قتلوك يا طرفي وإنك قاتلي

وعينك إن رمت السلامة خادعُ"

وفي موضع آخر، نجد العربي يتحدث عن العيون كأنها شِعرٌ صامت، إذ يقول:

"تكلمت عينه فصمت لسانه"،

أو: "قالت بعينيها ما عجزت عنه الشفاه."

وفي الفراسة، كما عند ابن القيم: "العين تخبرك بما في النفس، وإن لم ينطق اللسان." فالنظر عند العربي لم يكن خاضعًا للقياس بقدر ما كان خاضعًا للإحساس.

فعند العربي المسلم، غضّ البصر دليل حياء، بينما هو في علم النفس الغربي قد يُفسَّر على أنه علامة ضعف أو عدم ثقة، وقد تبوح العين في التراث العربي بالحب العميق من رمقة واحدة، بينما تحتاج في التحليل الغربي إلى أجهزة ترصد تقلص الحدقة وعدد الرمشات وطول النظرة لتصل إلى استنتاج.

وهنا يبرز الفارق الفلسفي: الغرب يُشخّص العين ويُحللها، والشرق يُصغي لها ويشعر بها.

الغرب يسأل: "ما الذي تعنيه هذه النظرة؟"،

أما العربي فيسأل: "ما الذي شعرتُ به من عينه؟"

وهنا تكمن عبقرية المزج في "أحاديث العيون"، فهو لا ينحاز إلى أحد الطرفين، بل يزاوج بين دقة العقل الغربي ورهافة الوجدان الشرقي.

بينما يبحث العالم النفسي عن سبب توسّع الحدقة، يبحث الشاعر عن معنى النظرة.

وبين هذا وذاك… تنبض العين بحياة كاملة من "الأحاديث" التي لم تُكتب بعد كما ينبغي!.

د. محمد العمري

19 أبريل 2025

7 أكتوبر 2015

الفارس و الشاعر عبدالله بن نويفع ( الأويفة)

اسمه و نسبه :  عبدالله بن نويفع بن عليثة بن نافع الشاماني، من بني جابر، من بني عمرو، من حرب. والأويفة: تصغير آفة، لُقب بذلك لدهائه و قوة بأسه .

مولده :

ولد الفارس و الشاعر الكبير عبدالله الأويفة في أوائل القرن الرابع عشر الهجري ،وعاش جزءاً كبيراً من حياته قبل توحيد البلاد، حيث الاضطرابات والغارات والثأرات، ثم أدرك ظهور الإخوان وعنفوانهم ضد خصومهم، و أدرك مرحلة الاستقرار والأمن في العهد السعودي الزاهر. وعاش حتى هرم وفقد بصره في آخر حياته، إلى أن توفي في حدود سنة 1387هـ، رحمه الله وعفا عنا وعنه.

نشأ الأوفيه في بيت  يزخر  بأقصى مايتمنى عربي أن يشب عليه،  فوالده الفارس  الشاعرالذي لا يشق له غبار الشيخ/ نويفع بن عليثه الشاماني،  شيخ القبيلة المحنك الذي تولى قيادتها في أحلك الظروف، ومن ذلك  أنه لما وقع  الخلاف بين الشوامين وبني جابر  في حادثة مشهورة،  آثر بحنكته الرحيل بقبيلته  على القتال رغم قدرته عليه ، اماعمه  فالقاضي الشهير نافع  بن عليثة   و المشهور ب(نافع بن شامان) و سيأتي الحديث عنه في موضوع مستقل - إن شاء الله- ،،
ولا يرتخي منه بنان.. وله قصص كثيرة ومواقف طريفة لا يتسع المجال لذكرها، لكننا سنذكر بعضها.. فمن شعره الذي يدل على شخصيته الأبيَّة، وهمته العالية، حيث لا يقف في أمنياته عند مغريات الشباب والتغزل بالفتيات رغم ما يعانيه من ود معشوقته، لكنه يتمنى أن تكون له ذلولاً أصيلة توصله ببني عمِّه الذين ابتعد عنهم، وأصبح يتوجد عليهم ليل نهار، حيث يقول:


يا من لقلب وَلّعه ود مخلوق                      توليع نارٍ ولِّعت بالفتيلة


من شافها لا تأمنونه عن البَوْق                 والبَوق والله ما يعز القبيلة


واليوم أنا حافي وفي رجلَيَّهْ ارهوق        يا رب تعطيني من الهجن أصيلة


مَيَّزت واليا كل مطرود ملحوق                وان المنى زاد القلوب الهبيلة


وانا هَوَاي الرَّبع حمَّاية النوق              وان واجهوها في نهار الحفيلة


عِزّي اليا من اعتزى كل صعفوق           ثم ارتدى حظ الوجيه الذليلة


أهل الدلال اللي بها البن مفهوق             وابهارهن الهيل والجنزبيلة

ومن قوله يصف شدة الحر وقسوة حياة البادية في وقته:


سهيل والمرزم تجي له ملاهيب       ان كان ما الله بَرّده بالخريفِ


تلقى وسومه فوق عوج العراقيب     اللي يشيلن القوِي والضعيفِ


وانا إلْيَا شانت علَيّ المشاريب      ازبن على ابن سعود والاّ الشريفِ


قدَّامنا حي يويق المراقيب              ولا بدّنا مما قِدِم، يا لطيفِ



و له مع وصف معاناته الشخصية و شدة الفقر و غلظة الدائنين مواقف، يقول رحمه الله:

يا رازق اللي عيشته بين نارين                 ماله معوشة غير عود القرايش
و ان باعها بريال و الا ريالين                   يحطها في زاد و الا حشايش
وان جيت يم السوق جولي هل الدين   وان جيت ابا اتعذر راعي المال طايش

ومن شعره الاجتماعي الحديث عن بعض المعانة مما شاهده في المجتمع  من مخاللفات للسلوك الاجتماعي السوي كالتناحر بين الأقارب، وفيها أيضاً ابتهال و دعاء للمولى أن يبدل الحال ويفتح أبواب رحمته لعباده بإنزال الغيث، ويسمونه «الرجوع»، تفاؤلاً برجوع الأمطار والخصب والنماء، كما يشكو إرغام البادية على نزول الهجر الذي مارسه الإخوان في بداية توحيد البلاد، لكنه في آخر الأبيات يوصي ابن أخيه عوض بالتمسك بالأخلاق الفاضلة؛ ليحافظ على سمعته؛ لأنه سيكون حديث المجالس إذا غاب عنها:


من عَيّن الحِنّا لراسي بَعَد شاب           من عَيّنه يا عارفين السنوعي


اللي مشيِّبه الردَى بين الاقراب          اشوف بعيوني وتوحي اسموعي


لو الجماعة يا عوض قوم واصحاب     القرم ما يرضى عليك الهزوعي


اليوم ما يَمْلَى القدَح كل حَلاَّب            والصقر يطرحه الحمار النكوعي


الهجرة اللي كلها شر واسباب        واللي حكم بالسيف حكمه يروعي


وعزي لبيت ما يجَوَّد بالاطناب       وعزي لمن جا بالمذاهب دنوعي


لا بد من هَيْض المجالس ليا غاب   وكثر العَمَس ما فيه غير الدموعي

وله من شعر الرثاء قوله يرثي أخاه مُطَيراً:


يا العين عَيَّنتي وديع الركايب   نمر الفهود اللي يحوش الجميلة


أنت ما عينتيه عساه طايب   عقب غليلٍ بالحشا مستشيله


لا والله الاّ من ترجَّاه خايب    واللي يبي يرجيه واعزتي له

وقال أيضاً في رثائه أخيه مطير مخاطباً إبله المسماة الظبيَات:


راعيك يا ظبَيْة قعد في المداهيل   في الوادي اللي مربعه ما يمِلْك


حوزي عن الوادي وراعي جهاجيل  وابكي على راعيك دقك وجلّك

ومن ذلك أيضاً قوله في رثاء الشيخ راشد السحيمي شيخ السحمان، من عوف، من حرب، وكان راشد السحيمي قد سعى في إخراجه من سجن الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم عندما غضب عليه وسجنه أيام إمارته للمدينة قبل سنة 1356هـ:


البارحة ثارت علَيّ الحلامي    ومن عقبها كثرت علَيّ الهواجيس


وجدي على راشد وجود الظوامي    اللي عن الما مبطيات مساديس


والله يا لو ان السحيمي اخمامي      ما ابكي على راشد بعيد المناطيس


اليا ركب في الجيش كنه اقطامي      مدَرعات وكل ابوهن ملابيس


وجدي على راشد وجود الظوامي    ومن عقب راشد من يفك المحابيس

و تظل قصيدته التي تسجل إحدى المعارك التي خاضها مع بعض فرسان قبيلته في أعلى وادي الشقرة و التي تعرف بموقعة السليمية) هي الأشهر، حيث يقول فيها:


وشيب عيـني يـوم جونـا يعنـون        و الفكر ضـاع وجت غيـارة ذهونـي

               مثل الحبـال البرق ياللـي تعرفـون       من كثـرهم لعـلهم يـذهبـونـي

 يوم(ن) هـم ركبـوا علينـا يعنـون       ربـعٍ على صـم الرمـك يركبونـي

يبـون قصف العمـر والعمر مازون        واللي وفـا أجله طاح قدمي ودونـي
والربـع لو صكـوا علينـا يهوشون        يثنـون ربـعٍ جعلهـم يسلمـونـي
واللـه ليـا صـاب الضرايب يصيبـون       وأيضـا ليـا منـه ذبـح يذبحونـي
أول عدينـا ثـم نمشي على الهـــون         نرقـص لهـم وهـم لنا يسمنونـي
يوم أكنفونـا مـع مطـاوي وجبنـون        حنـا نطاميهم وهـم يطفـرونـي
الخيـل ترزي ثـم تمشي على الهــون      وخلافـها جيـشٍ يبـي يلحقونـي
نـهوشـهم وهم علينـا يهوشــون         بـمسلبـاتٍ قاضيـات الديونـي
يـوم أختلـط فـي جوشني ذل وغبون        حتـى البراطم كاشفـه عن سنونـي
وآبـوي يوم أذكـر عيـالٍ يطيحـون        عقب غـلاهـم عندنـا يرخصونـي
صـبرت عن جيـشٍ عليهـا يحثـون       وهانـوا عليـه ربعـةٍ ماتـهـونـي
والمنـع واللـه لـو نبيهـم ينـادون          مـا نورحـه منهـم ولا يمنعـونـي
مديـنٍ فيــه الجنـانـه ومجنــون          والجـن طار وطاح له فـي جنونـي
وعقب فراغ القفـش وهـم يعافـون        والكـل طايب خاطـره ومغبونـي
وآلاد ....... يـوم عنـا يهـجـون           عهـدي بهـم يـوم أحتكام المنونـي
يتلـون ...... شـوق غروٍ ومزيـون      عز اللـه إنـي ماأحسبنـه يخونـي
يحسب عيـال الجـد يبـي يـموتون       والموت دوب اللي يبـي ينفدونـي
أقولـهـا راضيـن وألا يضيقــون        نشـره عليهـم مثل ما يشرهونـي



وختاماً.. فإن هذه لمحات سريعة عن شجاع فاتك وشاعر مفوَّه، عانى في حياته شظف العيش ومرارة الحياة، عاش بعيداً عن الإعلام، فضاع معظم شعره، ولم يأخذ ما يستحقه من الشهرة. رحمه الله وعفا عنا وعنه.

* أصل المادة للدكتور/ فايز بن موسى البدراني منشوراً في إحدى الصحف الورقية المحلية.

19 أكتوبر 2014

قراءة في كتاب (5 مفاتيح للإبداع الوظيفي)
طريقك إلى النجاح الوظيفي وإثبات الذات
د. محمد بن عبد الرحمن المدني
الناشر: دار المدني للنشر والتوزيع - جدة
قراءة: خليل محمود الصمادي

لا شك أن النجاح الوظيفي أو الإبداع هو من سمات القرن الحالي، وهو متطلب من متطلبات السوق، فالنجاح، فضلا عن أنه شعور جميل بإثبات الذات والغبطة والسرور، هو في الوقت نفسه اختصار للجهد والمال، كما أنه يحقق الاستقرار الوظيفي إن كان المبدع موظفًا، أو أنه يطور المؤسسة أو الشركة إن كان المبدع صاحبها أو مشاركا فيها.
وإذا كان كتابنا هذا بحاجة لتعريف، إلا أنَّ مؤلفه الدكتور محمد بن عبد الرحمن المدني غني عن التعريف، فقد حصل على الدكتوراه من لندن في إدارة الأعمال -الموارد البشرية- وماجستير في إدارة الأعمال -التسويق- من كاليفورنيا بأمريكا، وأما خبراته الإبداعية فتمتد من مؤسسة النقد السعودي إلى مدرب معتمد من الأكاديمية الدولية للتدريب والتطوير - لندن INTRAC وقد درب أكثر من 3800 مدرب في القطاعين العام والخاص بالمملكة، وكتب عشرات المقالات والبحوث في المجلات الاقتصادية.
يتناول الكتاب خمسة مفاتيح للإبداع الوظيفي يعرضها المؤلفُ بطريقة مشوقة تساعد من يعمل بها على النجاح والتفوق في عمله، وقد جمع المؤلف بين النظريات العلمية وما كتبه المختصون، وأضاف لها تجربته الشخصية والعملية ونتج عنها هذا الكتاب، وغدا خليطًا بين ما ألفه الكاتب وما رواه بعض المبدعين سواء عبر المراجع العلمية أو المواد التدريبية أو المقالات في الصحف وعلى الإنترنت.
يتألف الكتاب من 220 صفحة من الورق الفاخر، ويبدأ بالإهداء ثم بشكر الذين أجزلوا النصائح للمؤلف، ويعقبها تقديم لمعالي الدكتور غازي بن عبد الرحمن القصيبي وزير العمل بالمملكة العربية السعودية الذي أثنى على الكتاب ومؤلفه، ثم تأتي محتويات الكتاب وبعدها مقدمة المؤلف التي بين فيها خطته في الكتاب التي يقول فيها:
قبل أن أفكّر في كتابة هذا الكتاب كنت دائمًا أسأل نفسي ماذا يحتاج الموظف لكي يُصبح مميزًا ومُبدعًا؟ تأملت ودونت خمسًا وعشرين مهارةً وسلوكًا يمكن أن تكون في مجموعها الموظف المميز والمبدع، وهي:



1)     الذكاء العاطفي والاجتماعي
2)     إدارة الذات
3)     التفاؤل
4)     الثقة بالنفس
5)     احترام الذات
6)     الصبر
7)     ضبط النفس
8)     قوة التأثير
9)     الحماس
10)  الإنصاف
11)  الواقعية
12)  التوازن
13)  التصور
14)  الدافع
15)  القناعة
16)  تحديد الهدف
17)  حل المشكلات
18)  المرونة
19)  اتخاذ القرارات
20)  إثبات الموقف
21)  حسن التعامل مع الآخرين
22)  الالتزام
23)  التميز في الأداء
24)  ترتيب الأولويات
25)  القيادة


وعندما أمعنت النظر في تلك المهارات والسلوكيات بعددها الضخم، وضح لي أنها تفرعت من عناصر أساسية كونت في مجموعها خمسة مفاتيح أساسية للشخصية الوظيفية الإبداعية، وهو ما دفعني لكتابة هذا الكتاب.
اختصر المؤلف أو مزج المفاتيح الخمسة والعشرين السابقة الصغيرة في خمسة مفاتيح كبيرة هي:
المفتاح الأول: طور ذاتك بالتفكير الإيجابي .
المفتاح الثاني: تحكم في وقتك ورتب أولوياتك.
المفتاح الثالث: تفعيل وسائل الاتصال من خلال لغة الجسد.
المفتاح الرابع: اكتسب مهارات الإقناع للتأثير في الآخرين.
المفتاح الخامس: كن قائدًا ولا تدع الآخرين يسيطرون على عقلك.

يتناول المفتاح الأول للإبداع الوظيفي التفكير الإيجابي وتحفيز الذات، ذلك السحر الذي يستند عليه كل إبداع، وقد جاء في أكثر من ثلاثين صفحة ترغب الموظف في الإبداع والتألق.
ونصائح المؤلف في هذا الباب ما يلي:
- أن التفكير الإيجابي هو بذرة النتائج الإيجابية.
- أن أهم تغيير في حياتك هو أن تغير طباعك إلى الأفضل، فالطباع الجيدة تقود إلى نتائج جيدة أيضا.
- هناك طرق مثلى لفعل الأشياء، ابحث عنها برغبة التميّز.
- أن الفرق بينك كشخص ناجح وبين الآخرين ليس هو وجود المعلومة لديك، بل الاستفادة من المعلومة وتوجيهها للإنجاز.
- عندما تفكر بإيجابية سترى الأمور المخفية والأشياء غير الملموسة وستحقق المستحيل والعكس صحيح عندما تفكر بسلبية.
- عندما تثق في نفسك ستجني ثقة الآخرين لك.
- إن الخطأ الكبير الذي يمكن أن ترتكبه هو أن تتجنب المواقف التي قد توقعك في الخطأ.

وأما المفتاح الثاني فجاء تحت عنوان "تحكم في وقتك ورتب أولوياتك" ويبحث في أهمية تنظيم الوقت في حياتك الوظيفية وعظمة ترتيب الأولويات لتحقيق أفضل النتائج. ويبين فيه أهمية الوقت وفوائده.
ويقترح الدكتور محمد في هذا المفتاح المبادئ الأساسية للسيطرة على الوقت وهي:
- قم بإعداد جدول أعمال: لا تحاول أبدًا أن تنجز عملاً حتى تقوم بتسجيله في جدول أعمالك، وربما لا تنجزه، لكن ما دام لديك جدول ستكون هناك فرصة لإتمامه.
- حدد الأولويات: حدد ما الذي يجب إتمامه أولاً وثانيًا، وما الذي يمكن تأجيله؟ رتب العناصر في جدول أعمالك وفقًا لأهميتها.
- قم بأداء الأولويات القصوى أولاً: الأولوية القصوى هي أكثر ما يهم، لأسباب حددتها أنت بنفسك.
- لا تسمح بأية مقاطعات: إذا كنت جادًا حقًا في إتمام عملك، فلن يعوقك أي شيء ولا حتى مكالمة هاتفية من شخص مزعج ليست لديه أية مسؤولية بل يحتمل أنك لن تجيب على الهاتف حتى تنتهي.
- استمر في العمل على تحقيق العنصر الأول حتى ينتهي الوقت المحدد له ومن ثم ابدأ في العنصر الذي يليه وهلمَّ جرا.

وينصحنا بالاستفادة من وقتنا باتباع الخطوات التالية:
1- استمتع بعملك الصباحي من خلال جودة استعدادك الذهني، وذلك كي تسقط هذه الحالة على ما تبقى من اليوم.
2- خصص وقتًا وسمِّه الوقت الملزم الذي تُنجز فيه كي تحترم خصوصيته.
3- اجعل الترفيه في يومك يمتص شعورك بالتعب.
4- خصص جزءًا من وقتك لما يمكن تسميته بـ(غير المتوقع).
5- ادرس نفسك من خلال تصرفاتك قبل أن تدرس كيف يمضي وقتك.
6- عند اختيار نوع النشاط الذي ستخصص له وقتًا من ساعات يومك، استوحِ مزاجك واستلهم ميلك تجاهه قبل ممارسته.

وأما المفتاح الثالث للإبداع الوظيفي فيتناول تفعيل وسائل الاتصال غير اللفظي من خلال لغة الجسد بين الموظف والآخرين وبخاصة زملاء العمل والرؤساء، ويرى أن لغة الجسد ترتبط بالإبداع الوظيفي، ومن لغة الجسد الحواجب والأنف والأذنان والجبين والأكتاف والأصابع، وفي وسط المفتاح يضع عدة جداول تمثل حركة الجسد ومدلول كل حركة؛ فشد الأذن تعني إخفاء الأمر، ورفع الحواجب قليلا تترجم جسديا إلى (ما رأيكم؟) والعبوس في الوجه تعني عدم الارتياح لما تقول، وأما هز الرأس للأعلى والأسفل فمعناها الموافقة، واللعب بشعر الرأس تعني الملل، وهز الرجل يعني التوتر، وأما الوقوف منتصبًا فمعناها النجاح وهكذا.

والمفتاح الرابع يركز على إتقان مهارات الإقناع وتوظيف حركات العين السبع للتأثير في من حولك. وحتى تكون ناجحًا في إقناع الآخرين عليك أن تقرأ هذا الفصل جيدًا وبتمعن، ومما اخترته من هذا المفتاح ما جاء تحت عنوان كيف تكسب مناقشك:
- دعه يتكلم ويعرض قضيته.
- توقف قليلاً قبل أن تجيب.
- لا تُصِرّ على الفوز بنسبة 100%.
- لا تستخدم ضمير المتكلم.
- تحدث من خلال طرف آخر.
- اعرض موضوعك بطريقة رقيقة ومعتدلة.

وأما حركات العين كما يراها المؤلف فهي سبعة تساعدك في فهم الآخرين إذ تُعد العين واحدة من أكبر مفاتيح الشخصية التي تدلك على ما يدور في عقل مَنْ أمامك، وستعرف من خلال عينيه ما يفكر فيه حقيقة.
هناك سبع حركات للعيون تساعدك على معرفة ما يدور في ذهن الشخص المقابل سواء كان رئيسك أو مرؤوسك أو زميلك، ونذهب أبعد من ذلك إلى والديك وزوجتك (زوجك) وأولادك وجميع المحيطين بك. وهذه الحركات هي:


1)     النظرة الطبيعية
2)     الاسترجاع البصري
3)     التخزين البصري
4)     الاسترجاع السمعي
5)     التخزين السمعي
6)     الحسي
7)     التحدث مع الذات



أما المفتاح الخامس والأخير فجاء تحت عنوان مثير هو "كن قائدًا ولا تدع الآخرين يسيطرون على عقلك" وهذا المفتاح هو سيد المفاتيح أو كما يقولون "ماستر كي" لأن المفاتيح السابقة تعمل على فتح الأبواب للموظف حتى يتمكن من القيادة، وقد خُصص هذا المفتاح لتحديد الفرق بين القائد والمدير والتركيز على القيادة كعنصر هام وفاعل للشخصية الريادية والإبداعية.

يستعرض المؤلف في الجزء الأول من الباب القيادة والإدارة، ويستعرض تاريخ القيادة في العصر الإسلامي وأهميتها ومتطلباتها وعناصرها ويرى القيادة وفق مفهوم الإبداع الوظيفي كما يلي:

يرى أن القائد بالمفهوم الوظيفي هو من يستطيع أن يبث الفكرة المثالية التي يؤمن بها في مرؤوسيه ليحملهم على معاونته في تنفيذ الفكرة برغم كل العقبات، وهو أيضًا من يثير رغبة العمل في نفوس الآخرين ويوزع عليهم الجهود والمسؤوليات لتحقيق الأهداف، وهو الذي يرى ويفكر ويعمل ويدفع إلى العمل في سبيل المصلحة العامة.
ولا بد للقائد أن يمتاز بعدة صفات خُلقية وخَلقية منها:
1- السمات الجسمانية "كالصحة والطول والعرض".
2- السمات المعرفية "الذكاء الثقافة واستشراف المستقبل".
3- السمات الاجتماعية "فن التعامل وكسب الآخرين وحسن الاتصال".
4- السمات الانفعالية "كالنضج الانفعالي وضبط النفس".
5- السمات الشكلية "جمال المظهر والذوق العام".

وفي الجزء الثاني من هذا المفتاح يفرق بين المدير الجيد والقائد المبدع فالقائد له صفات إبداعية؛ فهو يجذب الناس ويتواصل ويفعل الأشياء الصحيحة وينتصر على الظروف ويطور الأمور وغير ذلك، أما المدير فيسمع الناس ويأمر ويفعل الأشياء بشكل صحيح ويستسلم للظروف ويطبق ويحافظ على الأمور كما هي وغير ذلك.


وفي ختام المفاتيح أو الكتاب وضع المؤلف ثبتا بالمراجع التي رجع إليها وعددها 26 مرجعا، وأما المقالات التي رجع إليها فتربو على ثلاثين مقالا، وأخيرا ثبت المراجع الأجنبية التي بلغت أربعة مراجع لا غير.

10 يناير 2014

رسالة إلى صاحب السمو الملكي وزير التربية والتعليم


حضرة صاحب السمو الملكي/ الأمير خالد الفيصل 

    وزير التربية و التعليم رائد الفكر و الأدب         سدده الله

                         السلام عليكم ورحم الله و بركاته                         وبعد،،

فقد استبشر منسوبو التربية و التعليم بمقدمكم الميمون، فهم يرون تعيين سموكم على رأس وزارة التربية والتعليم إنصافاً للعلم والتربية، بل إنهم يرون فيكم المنقذ بعد الله لها،
فالتربية و التعليم في بلادنا ليست في المستوى الذي يتمنى المخلصون من أبنائها،فالمشاريع التربوية القائمة شكلية-في الغالب- و لا يُرى لها  أثراً، و المخرجات التعليمية في انحدار مستمر.

صاحب السمو الملكي: إن خبيرا في الإدارة و الإمارة و الفكر لا يمكن أن يطلب منه أقل من حركة تجديدية يسجلها التاريخ و تحفظها ذاكرة المواطن والوطن، وهذه مقترحات أرجوا أن تجد عناية سموكم:-

 أولاً: تعيين مدراء للتربية و التعليم أكْفَاء، أمناء أقوياء.

ثانياً:مراجعة المشاريع التربوية القائمة،وتفعيل المفيد منها،و إلغاء غير المفيد،وتغليب المصلحة العامة،على مصالح الأفراد في الإستفادة.

ثالثاً: القضاء على البيروقراطية في الوزارة و الإدارات العامة،و رفع مستوى الشفافية والمصداقية، و إعادة الثقة لدى المجتمع .

رابعاً: تبني مشروع جاد و صادق وشفاف،لرفع مستوى الروح المعنوية للمعلمين والمعلمات،يخطط له و يقوم عليه فريق مهني و يشارك فيه نخبة من المعلمين.

 خامساً: إعادة هيكلة إدارة التوجيه و الإرشاد في الوزارة و الإدارات التعليمية، و دعمها بأكْفَاء، يتم اختيارهم وفق ضوابط دقيقة .

 سادساً: تفعيل دور الوحدات الإرشادية، وخاصة في تعليم البنات،وزيادة العاملين بها، ومنحهم صلاحيات تمكنهم من التغيير الحقيقي في سلوكيات الطلاب.

سابعاً: تحديد معايير و ضوابط- لا تتدخل فيها المحسوبيات- لإختيار القيادات التربوية سواءً في الوزارة أو الإدارات العامة، أو حتى المدارس.

ثامنا و أخيراً :يا صاحب السمو ،سددك الله،هذه خطوط عريضة و ضرورات ملحة،و الآمال معقودة بعد الله عليك،و أنت القوي الأمين، و إني على يقين بأن الغد أجمل.


كتبه: محمد بن عوض العمري


7 نوفمبر 2012

الشقرة في المصادر التاريخية


إن التاريخ ليس مجرد ماض مدون على أوراق قديمة ؛ وإنما ينبغي الإفادة منه في التعامل مع الحاضر و التخطيط للمستقبل أيضاً. فالتاريخ من أهم الموارد الثقافية والمعرفية لثقافة الحاضر ورؤية المستقبل.

التسمية:

    نص ياقوت الحموي على سبب تسمية الشقرة بهذا الإسم ، في معجم البلدان([1])

قال: الشقرة من اللون وهي: حمرة صافية في الإنسان، ثم قال: ( مكان، كما في قول السيرافي إذ ينشد:  فهنّ بالشقرة يقربن القرى)

      قال بن عساكر في تاريخ دمشق : الشقرة بضمّ أوّله، وإسكان ثانيه، بعده راء مهملة: قرية بين الأعوص  والطرف على ليلتين من المدينة.

     وقال علي بن عبد الله الحسني أبو الحسن السمهودي (المتوفى: 911هـ)،

الشقرة: بالضم ثم السكون، موضع بطريق فيد، بين جبال حمر، على نحو ثمانية عشر ميلا من النخيل، وعلى يوم من بئر السائب ويومين من المدينة،كما رواه البيهقي، ومنه قطع كثير من خشب الدوم لعمارة المسجد النبوي بعد الحريق([2])، و في الخلاصة قال السمهودي رحمه الله: (ومنه قطع الدوم لعمارة المسجد في زماننا)([3])، وكان ذلك عام 888ه.

و يعضد هذه القول ما أجمعت عليه المصادر التاريخية من أن الشقرة هي المنطقة الواقعة بين الجبال الحمر ، فقد ذكر ذلك الواقدي، والطبري، و ابن كثير وغيرهم، وهذا يجعلنا نجزم أن سبب تسمية الشقرة نسبة للجبال الحمر المحيطة بها بلا خلاف.


الموقع

      حينما ذكر ابن عساكر قصة استعمال أبو جعفر على المدينة المنورة محمد بن خالد بعد زياد وأمره بالجد في طلب محمد ابن عبد الله بن حسن وبسط يده في النفقة في طلبه فأغذ السير حتى قدم المدينة هلال رجب سنة إحدى وأربعين ومائة ، قال : ولم يعلم به أهل المدينة حتى جاء رسوله من الشقرة  وهي بين الأعوص([4])  والطرف([5])  على ليلتين من المدينة([6]).

وقال الإمام السمهودي في خلاصة الوفاء بأخبار دار المصطفى، موضع بين جبال حمر بطريق فيد على ثمانية عشر ميلا من النخيل وعلى يومين من المدينة([7]

 

المسافة بين المدينة المنورة والشقرة بالمقاييس القديمة والحديثة :

تقع الشقرة على مسافة يومين من المدينة المنورة وهي تعادل :

 أربعة برد ، ستة عشر فرسخاً،  أي ثمان وأربعين ميلاً ، بما يساوي تقريباً سبع وسبعين كيلاً من المدينة المنورة.  والبريد مسيرة نصف يوم وهو أربعة فراسخ , والفرسخ ثلاثة أميال  .


وادي الشقرة

في هذا الوادي و قف رسول الله صلى الله عليه وسلم  في طريقه إلى ذات نخل في غزوة ذات الرقاع حيث سقف منه المسجد النبوي ، بعد الحريق الثاني سنة قال الإمام السمهودي رحمه الله:  ومنه قطع الدوم لعمارة المسجد النبوي بعد الحريق.

 قال الواقدي ([8]): (حدثني الضحاك بن عثمان، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر، وحدثني هِشَامُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عن جابر، قال: وعن مالك، وغيره، عن وهب بن كيسان، عن جابر، قال: قدم قادم بجلب له، فاشترى بسوق النبط، وقالوا: من أين جلبك؟ قال: جئت به من نجد، وقد رأيت أنمارا وثعلبة قد جمعوا لكم جموعا، وأراكم هادين عنهم. فبلغ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَه، فخرج في أربعمائة من أصحابه -وقيل سبعمائة- وسلك على المضيق ثم أفضى إلى وادي الشقرة، فأقام بها يوما، وبث السرايا، فرجعوا إليه مع الليل وأخبروه أنهم لم يروا أحدا، وقد وطئوا آثارا حديثة. ثم سار النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ، حتى أتى محالهم، فإذا ليس فيها أحد، وهربوا إلى الجبال، فهم مطلون على النبي صلى الله عليه وسلم. وخاف الناس بعضهم بعضا. وفيها صَلَّى رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصحابه صلاة الخوف.

و على امتداد وادي الشقرة العديد من الآثار القديمة والتي يمكن أن تشكل ثروة سياحية كبيرة بنطقة المدينة المنورة.


إقامة النبي -صلى الله عليه وسلم- بوادي الشقرة وجعله مركزاً للقيادة والسيطرة:


    سار النَّبي صلى الله عليه وسلم من المدينة ليلة السبت لعشر خلون من المحرم سنة أربع للهجرة، وعاد إلى المدينة لخمس بقين من المحرم، ويتبين أن النبي صلى الله قضى خمسة عشرة ليلة في مسيره لغزوة ذات الرقاع. وقد وصل إلى الشقرة يوم الإثنين السابع من المحرم فأقام بها و بث السرايا للإستطلاع قبل نجد، والذي يظهر- والله أعلم- أن إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بالشقرة كانت لأكثر من يوم ، وقد نص الواقدي – ونقل عنه من بعده- أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث السرايا إلى بني ثعلبة قبل نجد و اقام بوادي الشقرة حتى عادت تلك السرايا.

قال الواقدي في معرض حديثه عن غزوة ذات الرقاع: (فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى سَلَكَ عَلَى الْمَضِيقِ، ثُمَّ أَفْضَى إِلَى وَادِي الشَّقْرَةِ، فَأَقَامَ بِهِ يَوْمًا وَبَثَّ السَّرَايَا، فَرَجَعُوا إِلَيْهِ مَعَ اللَّيْلِ وَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا أَحَدًا، وَقَدْ وَطِئُوا آثَارًا حَدِيثَةً، ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ حَتَّى أَتَى مَحَالَّهُمْ فَيَجِدُونَ الْمَحَالَّ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ، وَهَرَبَتِ الْأَعْرَابُ إِلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ، فَهُمْ مُطِلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ خَافَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَالْمُشْرِكُونَ مِنْهُمْ قَرِيبٌ، وَخَافَ الْمُسْلِمُونَ أَلَّا يَبْرَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَسْتَأْصِلَهُمْ، وَفِيهَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ "([9])

 

 وقال الزرقاني في شرحه  لغزوة ذات الرقاع : (ثم سار -صلى الله عليه وسلم- إلى أن وصل إلى وادي الشقرة ، فأقام فيها يومًا وبث السرايا، فرجعوا إليه من الليل وخبَّروه أنهم لم يروا أحدًا، فسار حتى نزل نخلًا)([10]).

الشقرة بوابة نجد والحجاز :

  و الشقرة بوابة الحجاز للقادم من الشرق و بوابة نجد للقادم من الغرب ، فقد قال الزبير بن بكار : وسألت سليمان بن عياش السعدي، وكان من أفقه الناس في كلام العرب: لم سمي الحجاز حجازاً؟ ولم سميت عين الرُّبُضِ الرُّبُضَ؟ ولم سميت عين النجفَةِ النَّجفَةَ؟ ولم سمى العقيق عقيقاً؟ قال: سمي الحجاز، لأنه حجز بين تهامة ونجد. قلت: فأين منتهاه؟ قال: ما بين بئر أبيك بالشقرة إلى أثاية العرج. قال: فما وراء بئر أبيك بالشقرة فمن نجد، وما وراء أثالية العرج فمن تهامة. وأما الربض، فإن منابت الأراك في الرمل تدعى الأربض. وسميت النجفة، لأنها في نجف الحرة. وسمي العقيق، لأنه عق في الحرة([11]).

و قال الزّبير أيضاً: أخبرنى عمّى مصعب بن عبد الله، قال: سمعت أعرابيّا يستقي على بئر أبيك أبى بكر بن عبد الله([12]) بالشّقرة، وهو يقول:

بئر أبى بكر وربّ القبر  ** تزداد طيبا فى أداوى السّفر

يدعو له  الناس غداة النّحر ** وليلة الأضحى ويوم الفطر

 وقد ولي أبوه المدينة المنورة في عهد هارون الرشيد.

قال الزبير: حَدَّثَنِي عمي مصعب بن عبد اللَّه قَالَ: كان أبي يكره الولاية، فعرض عليه أمير المؤمنين هارون الرشيد ولاية المدينة فكرهها، وأَبَى أن يليها، وألزمه ذلك أمير المؤمنين الرشيد، فأقام بذلك ثلاث ليال يلزمه ويأَبَى عليه قبولها، ثم قَالَ له في الليلة الثالثة: اغد علي بالغداة إن شاء اللَّه، فغدا عليه فدعا أمير المؤمنين بقناة وعمامة، فعقد اللواء بيده ثم قَالَ: عليك طاعة؟ قَالَ: نعم يا أمير المؤمنين، قَالَ: فخذ هذا اللواء فأخذه، وقال له أما إذا ابتليتني يا أمير المؤمنين بعد العافية فلا بد لي من اشتراط لنفسي، قَالَ له فاشترط لنفسك؟ فاشترط خلالًا، منها أن مال الصدقات، مال قسمة اللَّه بنفسه ولم يكله إلى أحد من خلقه، فلست استجيز أن أرتزق منه، ولا أن أرزق المرتزقة، فأحمل معي رزقي ورزق المرتزقة من مال الخراج، قَالَ: قد أجبتك إلى ذلك، قال: فأنفذ من كتبك ما رأيت، وأقف عما لا أرى، قَالَ: وذلك لك، قَالَ: فولي المدينة وكان يأمر بمال الصدقات يصير إلى عبد العزيز بن مُحَمَّد الدراوردي، وإلى آخر معه وهو يَحْيَى بن أبي غسان الشيخ الصالح من أهل الفضل، فكانا يقسمانه، ثم ولاه أمير المؤمنين هارون الرّشيد اليمن، وزاد معها ولاية عك.

 

بئر الشقرة

والبئر الموجودة بالوادي هي بئر أبي بكر بن عبدالله وقيل بكار و ذكرت بعض المصادر أنه بكر  بن عبدالله بن مصعب القرشي الأسدي المكي والذي يظهر لي والله أعلم أن الصحيح بكر ، حيث ذكر ابنه الزبير (المتوفى: 256هـ)، صاحب كتاب جمهرة نسب قريش وأخبارها

قال :حدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: سمعت بدوياً يستقي على بئر أبيك بكر بن عبد الله بالشقرة ويرتجز([13]):

بئرُ أبي بكْر وربّ القبْرِ ** تزدادُ طيباً في أداوَى السَّفْرِ

كأنَّ دَلْوَيهاَ جناَحاَ نَسْرِ ** يدعو له الناسُ غَداةَ النَّحْرِ

وليلةَ الأضحَى ويومَ الفِطْرِ

 

 

     وقد  أورد عبدالسلام هارون في نوادر المخطوطات مخطوطة بعنوان كتاب أسماء المغتالين من الأشراف في الجاهلية والإسلام وأسماء من قتل من الشعراء لأبي جعفر محمد بن حبيب

وفيها قصة الشاعر سالم بن دارة (أحد بني عبد الله بن غطفان، وكان هجا رجلاً من بني فزارة يقال له زميل بن وبير، بقصيدة طويلة)، ثم إن زميلاً قدم المدينة بعد ذلك بزمان فقضى حوائجه، حتى إذا صدر عن الشقرة ( أي عن ماء الشقرة ) سمع رجلاً يتغنى بقوله:

ملكتُ بها الإدلاجَ حتَّى بدا لها ** مع الصُّبح من أشباع ركن يلملم

وقد أوغلت في السَّير حتَّى كأنما ** يكسَّر قيض بينهنَّ وحنتم

فعرف زميل صوت سالم، فأقبل إليه فضربه ضربتين، ثم عقر بعيره، فحُمل سالم إلى عثمان بن عفان، فدفعه إلى طبيب نصراني فطببه.

ويقال إن أم البنين بنت عيينة بن حصن الفزاري، وكانت عند عثمان بن عفان رضي الله عنه، جعلت للطبيب جعلاً حتى سمه فمات([14]).

وذكر القصة أيضاً  عبد القادر بن عمر البغدادي (ت: 1093ه) ، في كتابه: خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب الجزء الثاني ص 149 ، بتحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون 1418 هـ - 1997 م

 



-[1] الحموي، ياقوت بن عبد الله الرومي (ت: 626هـ): معجم البلدان ، الناشر: دار صادر،بيروت ،ط2 ، 1995 م ،ج3، ص355.
-[2] السمهودي، علي بن عبد الله بن أحمد الحسني (المتوفى: 911هـ)، الوفاء بأخبار دار المصطفى ،بيروت، المكتبة العلمية،ج4،ص100.
[3]- السمهودي، خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى، دراسة وتحقيق: د/ محمد الأمين محمد محمود أحمد الجكيني، طبع على نفقة السيد: حبيب محمود أحمد، وجعله وقفا لله تعالى، ج2، ص456.
[4] -الاعوص: موضع قرب المدينة على أميال يسيرة منها (معجم البلدان)
[5]- الطرف: ماء قريب من المرقى على ستة وثلاثين ميلا من المدينة (معجم البلدان)، ومكانها بلدة الصويدرة المعاصرة.
[6]- ابن عساكر ،أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله(ت: 571هـ)  ، تاريخ دمشق ،المحقق: عمرو بن غرامة العمروي، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، عام النشر: 1415 هـ - 1995
[7]- السمهودي، علي بن عبد الله بن أحمد الحسني (المتوفى: 911هـ)،خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى ،دراسة وتحقيق: د/ محمد الأمين محمد محمود أحمد الجكيني طبع على نفقة السيد: حبيب محمود أحمد، وجعله وقفا لله تعالى ص654
 
[8] - محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي بالولاء، المدني، أبو عبد الله، الواقدي(130 - 207 هـ )، من أقدم المؤرخين في الإسلام، ومن أشهرهم، ومن حفاظ الحديث.
 
[9] البيهقي ، أبو بكر أحمد بن الحسين الخُسْرَوْجِردي الخراساني(المتوفى: 458هـ)، دلائل النبوة، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، دار الريان للتراث،ط. 1،1988م، الجزء الثالث،ص 371
 
-[10] الزرقاني، محمد بن عبد الباقي المالكي(المتوفى: 1122هـ):  شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية ،الناشر: دار الكتب العلمية ،ط1، 1417هـ-1996م، ج2 ،ص 5
[11]- القرشي ، الزبير بن بكار بن عبد الله ا الأسدي المكي (المتوفى: 256هـ) ، جمهرة نسب قريش وأخبارها ، تحقيق: محمود محمد شاكر ،  مطبعة المدني ، 1381 هـ  ص 53
 
-[13] جمهرة نسب قريش وأخبارها ، مرجع سابق ص 54،55
-[14] هارون، عبد السلام محمد (المتوفى: 1408هـ)، نوادر المخطوطات ،شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر ط2، 1973 م